أ.م.د . علاء فاضل احمد

كلية الآداب - قسم التأريخ


الرئيسية

يرى المؤرخ الفرنسي مارك بلوك (١٨٨٦-١٩٤٤) بان "التاريخ يوفر قماشة زمنية اساسية لفهم الواقع الاجتماعي لان الباحث في العلوم الاجتماعية لا يفسر انطلاقًا من مجموعة من الوقائع الفردية بل بناءً على الوقائع المفهومة في الأمد التاريخي وهو ما مكن علماء الاجتماع من تفادي مآزق الظواهر العارضة والمنفردة".
وما سبق يجعل المؤرخين من اكثر الناس استشعارا للمشاكل والاخطار التي تعانيها المجتمعات واكثر قدرة على فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل وذلك لكثرة الامثلة التي درسوها ويستحضرونها وتجول في خواطرهم لا شعورياً في احيان كثيرة بمجرد ورود معطيات مشابهة لانه في احيان كثيرة يقال وفي جميع العلوم اعطني معطيات متشابهة اعطيك نتائج متطابقة رغم اننا نعي جيدا بان التاريخ لا يعيد نفسه لكن هناك احداث متشابهة في مسار وحركة التاريخ ومن هنا يعاني المؤرخين قبل معاناة المجتمع ويستشعرون المسار الخاطئ الذي تتجه اليه الامة لكنهم في بلدان كبلادنا العربية لا يستطيعون تغيير المسار وذلك لعدم وجود من ينصت لهم ويسمع كلامهم لا سيما السياسيين الذين مع الاسف يجسدون "مفهوم القطيعة" وفي بعض الاحيان حينما يحاول المؤرخون التعبير عن ارائهم في قضايا الساعة كمحاولة للتأثير بالحاضر واداء واجبهم الوطني او الاسهام في تغيير مسار التاريخ يعاب عليهم منهجياً وعلميا بالقول ليس من واجب المؤرخ ابداء راي في قضايا الساعة لان اختصاصه يحتم عليه تناول قضايا الماضي حتى في مرحلة البحث والكتابة غير مسموح له بكتابة توصيات كنتيجة لبحثه ومعالجته لمشكلة ربما مشابهة في الحاضر قد تفيد توصياته بتجاوز ذلك وهنا ربما يصح التساؤل ما هي فائدة البحث التاريخي اذا كان التعامل مع الماضي كماضي فقط دون انعكاسه على الاقل بمفهوم العبرة على الحاضر وتقديم رؤية لصناعة المستقبل ويبدو ان هذه المشكلة يعاني منها المؤرخين منذ ان تمنهج البحث التاريخي ليس فقط في الوقت الحاضر لذلك عبر مارك بلوك عن معاناته تجاه تلك الثنائية بالقول
"العالم يبحث عن سبيل المعرفة والفهم، لا يحكم على الأشياء ... من دون شك، في الحياة اليومية والحياة السياسية، اذا اردنا ان نقوم بدورنا كمواطنين، لا يمكننا التفرج على الوضع. فالحكم على الأشياء في هذا المقام ضرورة للفعل... لكن إسقاط الأحكام على الماضي لا تمت للعلم بصلة، لانها تفقد معناها وتُظهر خشونتها"
لكن هذه الضرورة الاكاديمية لم تمنعه من الجمع بين العلم والنضال اذ يقول: "من التاريخ يمكن للمناضل ان يستخلص العبر العملية، هذا لأن كل المؤرخ هو بالضرورة رجل مناضل في الحياة المدنية، لكن بنفس الطريقة التي يستفيد بها الطبيب من البيولوجيا. بالنسبة لعالم الأحياء لا فرق بين بكتريا حسنة وأخرى سيئة. لكن الطبيب يميز بينهما. ولذلك، وجب التمييز بين المرحلتين العلمية والتقنية".